فصل: فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّنَنِ الرّوَاتِبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل السّتْرَةُ فِي الصّلَاةِ:

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا صَلّى إلَى الْجِدَارِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرَ مَمَرّ الشّاةِ وَلَمْ يَكُنْ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ بَلْ أَمَرَ بِالْقُرْبِ مِنْ السّتْرَةِ وَكَانَ إذَا صَلّى إلَى عُودٍ أَوْ عَمُودٍ أَوْ شَجَرَةٍ جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَصْمُدْ لَهُ صَمْدًا وَكَانَ يُرَكّزُ الْحَرْبَةَ فِي السّفَرِ وَالْبَرّيّةِ فَيُصَلّي إلَيْهَا فَتَكُونُ سُتْرَتُهُ وَكَانَ يُعَرّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلّي إلَيْهَا وَكَانَ يَأْخُذُ الرّحْلَ فَيَعْدِلُهُ فَيُصَلّي إلَى آخِرَتِهِ وَأَمَرَ الْمُصَلّيَ أَنْ يَسْتَتِرَ وَلَوْ بِسَهْمٍ أَوْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطّ خَطّا فِي الْأَرْض قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ الْخَطّ عَرْضًا مِثْلُ الْهِلَالِ. وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ الْخَطّ بِالطّولِ وَأَمّا الْعَصَا فَتُنْصَبُ نَصْبًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ فَإِنّهُ صَحّ عَنْهُ أَنّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ. وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ. وَمُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قِسْمَانِ صَحِيحٌ غَيْرُ صَرِيحٍ وَصَرِيحٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهَا لِمُعَارِضٍ هَذَا شَأْنُهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللّه عَنْهَا نَائِمَةٌ فِي الْمُصَلّي وَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَابِثًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَكَذَا الْمَرْأَةُ يَقْطَعُ مُرُورُهَا الصّلَاةَ دُونَ لُبْثِهَا وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّنَنِ الرّوَاتِبِ:

كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَافِظُ عَلَى عَشْرِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ دَائِمًا وَهِيَ الّتِي قَالَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ حَفِظْتُ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصّبْحِ فَهَذِهِ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهَا فِي الْحَضَرِ أَبَدًا وَلَمّا فَاتَتْهُ الرّكْعَتَانِ بَعْدَ الظّهْرِ قَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا لِأَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَقَضَاءُ السّنَنِ الرّوَاتِبِ فِي أَوْقَاتِ النّهْيِ عَامّ لَهُ وَلِأُمّتِهِ وَأَمّا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى تِلْكَ الرّكْعَتَيْنِ فِي وَقْتِ النّهْيِ فَمُخْتَصّ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ خَصَائِصِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. وَكَانَ يُصَلّي أَحْيَانًا قَبْلَ الظّهْرِ أَرْبَعًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ فَإِمّا أَنْ يُقَالَ إنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا صَلّى فِي بَيْتِهِ صَلّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلّى فِي الْمَسْجِدِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَإِمّا أَنْ يُقَالَ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا وَيَفْعَلُ هَذَا فَحَكَى كُلّ مِنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ مَا شَاهَدَهُ وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا مَطْعَنَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَدْ يُقَالُ إنّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ لَمْ تَكُنْ سُنّةَ الظّهْرِ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلّةٌ كَانَ يُصَلّيهَا بَعْدَ الزّوَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ السّائِبِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي أَرْبَعًا بَعْد أَنْ تَزُولَ الشّمْسُ وَقَالَ إنّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السّمَاءِ فَأُحِبّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ وَفِي السّنَنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا لَمْ يُصَلّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ صَلّاهُنّ بَعْدَهَا وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ. كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظّهْرِ صَلّاهَا بَعْدَ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظّهْرِ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْن وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ يُطِيلُ فِيهِنّ الْقِيَامَ وَيُحْسِنُ فِيهِنّ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ فَهَذِهِ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- هِيَ الْأَرْبَعُ الّتِي أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنّهُ كَانَ لَا يَدَعُهُنّ. وَأَمّا سُنّةُ الظّهْرِ فَالرّكْعَتَانِ اللّتَانِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يُوَضّحُ ذَلِكَ أَنّ سَائِرَ الصّلَوَاتِ سُنّتُهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَالْفَجْرُ مَعَ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ وَالنّاسُ فِي وَقْتِهَا أَفْرَغُ مَا يَكُونُونَ وَمَعَ هَذَا سُنّتُهَا رَكْعَتَانِ وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَرْبَعُ الّتِي قَبْلَ الظّهْرِ وِرْدًا مُسْتَقِلّا سَبَبُهُ انْتِصَافُ النّهَارِ وَزَوَالُ الشّمْسِ. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُصَلّي بَعْدَ الزّوَالِ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ وَيَقُولُ إنّهُنّ يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنّ مِنْ قِيَامِ اللّيْلِ وَسِرّ هَذَا أَعْلَمُ- أَنّ انْتِصَافَ النّهَارِ مُقَابِلٌ لِانْتِصَافِ اللّيْلِ وَأَبْوَابُ السّمَاءِ تُفَتّحُ بَعْدَ زَوَالِ الشّمْسِ وَيَحْصُلُ النّزُولُ الْإِلَهِيّ بَعْدَ انْتِصَافِ اللّيْلِ فَهُمَا وَقْتَا قُرْبٍ وَرَحْمَةٍ هَذَا تُفَتّحُ فِيهِ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَهَذَا يَنْزِلُ فِيهِ الرّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدّنْيَا. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمّ حَبِيبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ صَلّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بِهِنّ بَيْتٌ فِي الْجَنّة وَزَادَ النّسَائِيّ وَالتّرْمِذِيّ فِيهِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْر قَالَ النّسَائِيّ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْر بَدَلَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَصَحّحَهُ التّرْمِذِيّ. وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السّنّةِ بَنَى اللّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوَهُ وَقَالَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنّهُ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَظُنّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَهَذَا التّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْفُوعًا وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَأَمّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلَمْ يَصِحّ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي فِعْلِهَا شَيْءٌ إلّا حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيّ... الْحَدِيثُ الطّوِيلُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي فِي النّهَارِ سِتّ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلّي إذَا كَانَتْ الشّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا لِصَلَاةِ الظّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَكَانَ يُصَلّي قَبْلَ الظّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَبَعْدَ الظّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي لَفْظٍ كَانَ إذَا زَالَتْ الشّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الْعَصْرِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ الشّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الظّهْرِ صَلّى أَرْبَعًا وَيُصَلّي قَبْلَ الظّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلّ رَكْعَتَيْنِ بِالتّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَدْفَعُهُ جِدّا وَيَقُولُ إنّهُ مَوْضُوعٌ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيّ إنْكَارُهُ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ رَحِمَ اللّهُ امْرءًا صَلّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ وَعَلّلَهُ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ سَأَلْت أَبَا الْوَلِيدِ الطّيَالِسِيّ عَنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْمُثَنّى عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَحِمَ اللّهُ امْرءًا صَلّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا فَقَالَ دَعْ ذَا. فَقُلْت: إنّ أَبَا دَاوُد قَدْ رَوَاهُ فَقَالَ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ كَانَ ابْنُ حَفِظْتُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةَ فَلَوْ كَانَ هَذَا لَعَدّهُ. قَالَ أَبِي: كَانَ يَقُولُ حَفِظْت ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَهَذَا لَيْسَ بِعِلّةٍ أَصْلًا فَإِنّ ابْنَ عُمَرَ إنّمَا أَخْبَرَ بِمَا حَفِظَهُ مِنْ فِعْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْبَتّةَ. وَأَمّا الرّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَإِنّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُصَلّيهِمَا وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَقَرّ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِمَا وَكَانَ يَرَاهُمْ يُصَلّونَهُمَا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ صَلّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ صَلّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ. قَالَ فِي الثّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتّخِذَهَا النّاسُ سُنّةً وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فِي هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ أَنّهُمَا مُسْتَحَبّتَانِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا وَلَيْسَتَا بِسُنّةٍ رَاتِبَةٍ كَسَائِرِ السّنَنِ الرّوَاتِبِ.

.كَانَ يُصَلّي عَامّةَ السّنَنِ فِي بَيْتِهِ:

وَكَانَ يُصَلّي عَامّةَ السّنَنِ وَالتّطَوّعَ الّذِي لَا سَبَبَ لَهُ فِي بَيْتِهِ لَا سِيّمَا سُنّةَ الْمَغْرِبِ فَإِنّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنّهُ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْبَتّةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ السّنّةُ أَنْ يُصَلّيَ الرّجُلُ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ كَذَا رُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ السّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النّاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ إذَا انْصَرَفُوا مِنْ الْمَغْرِبِ انْصَرَفُوا جَمِيعًا حَتّى لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ كَأَنّهُمْ لَا يُصَلّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتّى يَصِيرُوا إلَى أَهْلِيهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ. فَإِنْ صَلّى الرّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ وَتَقَعُ مَوْقِعُهَا؟ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ أَنّهُ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ أَنّهُ قَالَ لَوْ أَنّ رَجُلًا صَلّى الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ مَا أَجْزَأَهُ؟ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ هَذَا الرّجُلُ وَمَا أَجْوَدَ مَا انْتَزَعَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ وَوَجْهُهُ أَمْرُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذِهِ الصّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ. وَقَالَ الْمَرْوَزِيّ: مَنْ صَلّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ عَاصِيًا قَالَ مَا أَعْرِفُ هَذَا قُلْتُ لَهُ يُحْكَى عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنّهُ قَالَ هُوَ عَاصٍ. قَالَ لَعَلّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْعَلُوهَا فِي بُيُوتِكُم قَالَ أَبُو حَفْصٍ وَوَجْهُهُ أَنّهُ لَوْ صَلّى الْفَرْضَ فِي الْبَيْتِ وَتَرَكَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ السّنّةُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَيْسَ هَذَا وَجْهَهُ عِنْدَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ وَإِنّمَا وَجْهُهُ أَنّ السّنَنَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَكَانٌ مُعَيّنٌ وَلَا جَمَاعَةٌ فَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَفِي سُنّةِ الْمَغْرِبِ سُنّتَانِ إحْدَاهُمَا: أَنّهُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ بِكَلَامٍ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيّ وَالْمَرْوَزِيّ: يُسْتَحَبّ أَلّا يَكُونَ قَبْلَ الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يُصَلّيَهُمَا كَلَامٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمّدٍ: رَأَيْت أَحْمَدَ إذَا سَلّمَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَامَ وَلَمْ يَتَكَلّمْ وَلَمْ يَرْكَعْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدّارَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ وَوَجْهُهُ قَوْلُ مَكْحُولٍ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ صَلّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ رُفِعَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلّيّين وَالسّنّةُ الثّانِيَةُ أَنْ تَفْعَلَ فِي الْبَيْتِ فَقَدْ رَوَى النّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجَرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلّى فِيهِ الْمَغْرِبَ فَلَمّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبّحُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوت وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَالَ فِيهَا: ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُم وَالْمَقْصُودُ أَنّ هَدْيَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلُ عَامّةِ السّنَنِ وَالتّطَوّعِ فِي بَيْتِهِ. كَمَا فِي الصّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حَفِظْتُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصّبْح.

.لَمْ يَكُنْ يُصَلّي فِي السّفَرِ مِنْ السّنَنِ إلّا سُنّتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ:

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي فِي بَيْتِي أَرْبَعًا قَبْلَ الظّهْرِ ثُمّ يَخْرُجُ فَيُصَلّي بِالنّاسِ ثُمّ يَدْخُلُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلّي بِالنّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمّ يَدْخُلُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلّي بِالنّاسِ الْعِشَاءَ ثُمّ يَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمَحْفُوظُ عَنْهُ فِي كَانَ يُصَلّيهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.
كَانَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِه وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذِكْرِ سُنّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَالصّلَاةِ قَبْلَهَا عِنْدَ ذِكْرِ هَدْيِهِ فِي الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّهَا النّاسُ صَلّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلّا الْمَكْتُوبَة وَكَانَ هَدْيُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلَ السّنَنِ وَالتّطَوّعَ فِي الْبَيْتِ إلّا لِعَارِضٍ كَمَا أَنّ هَدْيَهُ كَانَ فِعْلَ الْفَرَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ إلّا لِعَارِضٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمّا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ تَعَاهُدُهُ وَمُحَافَظَتُهُ عَلَى سُنّةِ الْفَجْرِ أَشَدّ مِنْ جَمِيعِ النّوَافِلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهَا هِيَ وَالْوِتْرُ سَفَرًا وَحَضَرًا وَكَانَ فِي السّفَرِ يُوَاظِبُ عَلَى سُنّةِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ أَشَدّ مِنْ جَمِيعِ النّوَافِلِ دُونَ سَائِرِ السّنَنِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي السّفَرِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى سُنّةً رَاتِبَةً غَيْرَهُمَا وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فَكَانُوا لَا يَزِيدُونَ فِي السّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا وَإِنْ احْتَمَلَ أَنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُرَبّعُونَ إلّا أَنّهُمْ لَمْ يُصَلّوا السّنّةَ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ سُنّةِ الظّهْرِ فِي السّفَرِ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبّحًا لَأَتْمَمْت وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَفّفَ عَنْ الْمُسَافِرِ فِي الرّبَاعِيّةِ شَطْرَهَا شَرَعَ لَهُ الرّكْعَتَانِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَوْلَى بِهِ.

.أَيّهُمَا آكَدُ سُنّةُ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ:

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيّ الصّلَاتَيْنِ آكَدُ سُنّةُ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التّرْجِيحُ بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْوِتْرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي وُجُوبِ سُنّةِ الْفَجْرِ وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تيمية يَقُولُ سُنّةُ الْفَجْرِ تَجْرِي مَجْرَى بِدَايَةِ الْعَمَلِ وَالْوِتْرُ خَاتِمَتَهُ. وَلِذَلِكَ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي سُنّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ بِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ وَهُمَا الْجَامِعَتَانِ لِتَوْحِيدِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَتَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِرَادَةِ وَتَوْحِيدِ الِاعْتِقَادِ وَالْقَصْدِ انْتَهَى. تَوْضِيحٌ لِمَعْنَى: سُورَةُ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَالزّلْزَلَةِ نِصْفَهُ وَالْكَافِرُونَ رُبُعَهُ فَسُورَةُ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} مُتَضَمّنَةٌ لِتَوْحِيدِ الِاعْتِقَادِ وَالْمَعْرِفَةِ وَمَا يَجِبُ إثْبَاتُهُ لِلرّبّ تَعَالَى مِنْ الْأَحَدِيّةِ الْمُنَافِيَةِ لِمُطْلَقِ الْمُشَارَكَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَالصّمَدِيّةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ جَمِيعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ الّتِي لَا يَلْحَقُهَا نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الصّمَدِيّةِ وَغِنَاهُ وَأَحَدِيّتِهِ وَنَفْيِ الْكُفْءِ الْمُتَضَمّنِ لِنَفْيِ التّشْبِيهِ وَالتّمْثِيلِ وَالتّنْظِيرِ فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ السّورَةُ إثْبَاتَ كُلّ كَمَالٍ لَهُ وَنَفْيَ كُلّ نَقْصٍ عَنْهُ وَنَفْيَ إثْبَاتِ شَبِيهٍ أَوْ مَثِيلٍ لَهُ فِي كَمَالِهِ وَنَفْيَ مُطْلَقِ الشّرِيكِ عَنْهُ وَهَذِهِ الْأُصُولُ هِيَ مَجَامِعُ التّوْحِيدِ الْعِلْمِيّ الِاعْتِقَادِيّ الّذِي يُبَايِنُ صَاحِبُهُ جَمِيعَ فِرَقِ الضّلَالِ وَالشّرْكِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَإِنّ الْقُرْآنَ مَدَارُهُ عَلَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ وَالْإِنْشَاءُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ. وَالْخَبَرُ نَوْعَانِ خَبَرٌ عَنْ الْخَالِقِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَخَبَرٌ عَنْ خَلْقِهِ. فَأَخْلَصَتْ سُورَةُ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} الْخَبَرَ عَنْهُ وَعَنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَعَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَخَلّصَتْ قَارِئَهَا الْمُؤْمِنَ بِهَا مِنْ الشّرْكِ الْعِلْمِيّ كَمَا خَلّصَتْ سُورَةُ {قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} مِنْ الشّرْكِ الْعَمَلِيّ الْإِرَادِيّ الْقَصْدِيّ. وَلَمّا كَانَ الْعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَهُوَ إمَامُهُ وَقَائِدُهُ وَسَائِقُهُ وَالْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَمُنْزِلُهُ مَنَازِلَهُ كَانَتْ سُورَةُ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ تَكَادُ تَبْلُغُ مَبْلَغَ التّوَاتُرِ و{قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي التّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا {إِذَا زُلْزِلَتِ} تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآن وَ{قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنَ وَ{قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَلَمّا كَانَ الشّرْكُ الْعَمَلِيّ الْإِرَادِيّ أَغْلَبَ عَلَى النّفُوسِ لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهَا هَوَاهَا وَكَثِيرٌ مِنْهَا تَرْتَكِبُهُ مَعَ عِلْمِهَا بِمَضَرّتِهِ وَبُطْلَانِهِ لِمَا لَهَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ الْأَغْرَاضِ وَإِزَالَتِهِ وَقَلْعِهِ مِنْهَا أَصْعَبُ وَأَشَدّ مِنْ قَلْعِ الشّرْكِ الْعِلْمِيّ وَإِزَالَتِهِ لِأَنّ هَذَا يَزُولُ بِالْعِلْمِ وَالْحُجّةِ وَلَا يُمْكِنُ صَاحِبُهُ أَنْ يَعْلَمَ الشّيْءَ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ شِرْكِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ فَإِنّ صَاحِبَهُ يَرْتَكِبُ مَا يَدُلّهُ الْعِلْمُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَضَرَرِهِ لِأَجْلِ غَلَبَةِ هَوَاهُ وَاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الشّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى نَفْسِهِ فَجَاءَ مِنْ التّأْكِيدِ وَالتّكْرَارِ فِي سُورَةِ {قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ} الْمُتَضَمّنَةِ لِإِزَالَةِ الشّرْكِ الْعَمَلِيّ مَا لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي سُورَةِ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} وَلَمّا كَانَ الْقُرْآنُ شَطْرَيْنِ شَطْرًا فِي الدّنْيَا وَأَحْكَامِهَا وَمُتَعَلّقَاتهَا وَالْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلّفِينَ وَغَيْرِهَا وَشَطْرًا فِي الْآخِرَةِ وَمَا يَقَعُ فِيهَا وَكَانَتْ سُورَةُ {إِذَا زُلْزِلَتِ} قَدْ أُخْلِصَتْ مِنْ أَوّلِهَا وَآخِرِهَا لِهَذَا الشّطْرِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إلّا الْآخِرَةَ. وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْضِ وَسُكّانِهَا كَانَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ فَأَحْرَى بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا- وَاللّهُ أَعْلَمُ- وَلِهَذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ السّورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيْ الطّوَافِ سُورَتَا الْإِخْلَاصِ وَالتّوْحِيدِ كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِمَا عَمَلَ النّهَارِ وَيَخْتِمُهُ بهما، وَيَقْرَأُ بهما في الْحَجّ الذي هو شِعَارَ التّوْحِيدِ.